top of page
  • YouTube
  • Black Twitter Icon
  • Black Facebook Icon
  • Black Instagram Icon

العيد الأول خارج السودان

- أول مره تعيّد بره البيت ؟ - أول مره يعيّد ، دوني ، البيت .. - ما بنعيّد وإنت بعيد ، بس بنعيِّد بيك البيت أقصد ، بس بنعيّد ليك للبيت - إذاً العيد ، البيت ... البيت ، العيد .. لم أكن أتخيل ولا في أسوأ حالات التشاؤوم واليأس أن أرتكب هذه الحماقه ويكون عيدي بعيداً عن أسرتي .. بعيداً عن قريتي ... بعيداً عن وطني ... بعيداً عني . بماذا كنتم تشعرون أيها الأموات وأنتم لا تصطبحون صباح العيد على فرح الأطفال وتمنيات أمهاتكم !!! كيف جازفتم وتركتم لحنينكم فرصة أن يشي بدمعتكم للأخرين !!! وكيف فعلتها أنا وتحامقت .. تباً لتلك الحماقة .. ولي .. ليت في وسعي البكاء بحزنٍ مسموع أمام المارة وأمام المنافي التي تهبنا فجيعةً تلو أخرى ، لا لشيئٍ .. ولكن لأن أوطاننا صارت أكثر هماً من أن تشغل بالها بحفنة (صعاليك) تركوها ذات مأسأة وهربوا لينجو بحلمهم .. هذا الهروب الذي يدعك مفتوح الحنين كصحراءٍ قاحلة للغربان .. ويدعك تتسول الفرحة من عيون الآخرين ، لعلك تحظى بلحظة سعادة ولو قصيرة ... لماذا أيها الوطن الذي أحببناك بكل صدق ، تدعنا نتسول الخبز ونتسول الرزق .. ونتسول السعادة !!!!! ماذا ستقول لأوطان الآخرين حين تسألك عنا ؟؟ هَب أنك صادفت أوطان الآخرين وأنت في طريقك لجحيمٍ ما ، كيف ستجيبهم حينما يسألونك عن بنيكَ ؟؟ ماذا ستقولُ لهم حينما يستفسرون عن صباح الأعياد لأيتامك الذين تركتهم فريسةً سهلة للمنافي وطردتهم ذات فقرٍ ما ؟؟ أعرف أن دموعنا لا تعنيك ، وأنك أكثر موتاً من أن تسمعنا ولكن نحن الغرباء ، ونحن الذين قتلتهم من كثرةِ حبهم لك ، سنظل على ذات الحب حتى وأنت ترفع أجسادنا على المقصلة .. حتى وأنت تنصبنا عاريين منك للجلاد .. حتى وأنت ترمى بجثثنا في حفرةٍ واحدة مستكثراً علينا قبرا .. حتى وأنت تتمنى لنا جحيماً بحجمِ كرهك لنا .. أمي الغالية ، أتركي باب الفرحةِ وباب حضنك مفتوحاً لعلي أخيّب ظن رحيلي وآتيكِ على عجلةٍ من يأسي وأرتمي كالعصفور المكسورِ الحنينِ على ذراعيك .. ولتعلمي أنني عبثاً كنتُ أخدع الآخرين بفرحتي بقدوم العيد وإنني في الحقيقةِ كنت أنتظر دعواتك لي وحضنك الفسيح كأناشيد الأطفال وعناقك الأخضر الذي ينسيني كل مصاعب الحياة ويجعلني أنتمي لكِ أنتي فقط بعيداً عن هوس الهوية وهوس الوطن المقسوم وهوس الحكومة وهوس الشعر وهوس الحياة ولتعلمي كذلك أنه في حضنك فقط أشعر أن (حميد) مايزالُ على قيدِ الحياة .. لم أكبر يا أمي كما توقعتي .. مازلتُ أحتاجك لتمشطي شعري وتطبعي على جبيني قبلة الأنبياء .. لم أكبر ومازلت أحتاجك لتوقظيني صباح العيد وتعلمينني كيف أبتسم للأصدقاء وكيف أوزع نفسي بين أحضان أخوتي وكيف أتحصن من عيون الغرباء .. لم أكبر يا أمي ، لم أكبر .. وصرت بعدك صغيراً وحزيناً فلا تحرميني من دعائك ويديك الحانية لأنني أحتاجك .. أبي العزيز ، أتراكَ تعلمُ أنني أبكي الآن ؟؟ وأن الرجل الذي كنت تحلم به ليسندك قد انهار أمام أول عيدٍ بدون يديك وبعيداً عن حضنك الرحيم ؟؟ لم أكبر يا أبتاه كما يُخيل لك ومازلتُ طفلاً يبكي بضعفٍ واضح كلما أحتاج لك .. لم أكبر ومازلت أحتاجك كي تربط لي حذائي وتصلح (طاقيتي) وتزيل ما علق من حنينك على ثيابي كي لا يغار أطفال الآخرين حين يرونني ممتلئاً بك .. لم أكبر وأحتاج عيديتي تماماً كالأطفال ، أحتاجُ حلوى وقبلة ودعاء .. أحتاج أن تُرسل لي وطناً يعوضني ضياعي ومنفاي ويقيني المبتور .. أحتاج أن تأخذني معك لمصلى العيد وتجلسني بقربك لكي أشعر أن الله يمنحني دون غيري من الأطفال عيدين في يومٍ واحد .. وأحتاج أن أمسك بيديك وأبلغ معك السعي دون أن ترى في منامك أنك - مثل وطني - تذبحني لمجردِ أن كبشاً ما تنوي السماء إبعاده عن باقي القطيع .. لم أكبر يا أبتاه ، فأفعل ما تؤمر وستجدني من المحتاجين لك .. أخوتي ، أولستُ أصغركم سناً وحلماً !!! لماذا إذاً تركتموني لأنيابِ الغربةِ المسعورة ؟؟ كنت صبيحة العيد أتحايل على الفرحة وأسرقها من يديكم لأعلنها عيداً للآخرين .. وكنتُ أظلُ منزوع الفرحةِ حتى أحصدها منكم وأنثرها على الأطفال لتنمو فرحتي بكم حباً وزهوراً وسعادةً دائمة .. أشعر حين أصافحكم أن السماء تحبني أكثر من الآخرين وهي تضعني في مؤخرة قائمتكم لتعلنني أخاً لكم ، وكأنها تمنحني بهذا الشرف تميمةً سحرية تبقيني على قيد الحياة وقيد أخوتكم متى ما ألقت علي الحياة حملها الثقيل .. لم أكبر كما تحلمون .. مازلتُ صغيراً لتحملونني على كتوفكم وتغسلو لي ثيابي وأحزاني .. وتعلمونني كيف أرتدي جواربي بالطريقة الصحيحة وكيف أحافظ على نظافة وطني حين ألهو في (تراب) المنافي .. لم أكبر .. لم أكبر ، ومازلت أحتاجكم .. الحبيب حِمّيــد ، سألوا أحد أدباء بريطانيا عن رأيه في شكسبير ، فقال : (إن الله قد ضاعف الخليقة حين خلق شكسبير) تهنئة : العيد أن (يظلك) وطناً (لبراءة) أحلامك لا أن (يظلمك) وطناً (لجراءة) أحلامك .. خروج : عيد شنو وفي (الغربه) (قبل) الناس تصلي ، العيد بفوت !!!! معز عوض أبو القاسم الإحسـاء 2015/7/17م


 
 
 

Comments


معز عوض أبو القاسم

للتواصل مع الكاتب

00249922226537

السودان - ود مدني - العريباب

  • White Twitter Icon
  • White Facebook Icon
  • White Instagram Icon

© 2022 by MOIZ AWAD

bottom of page